دراسات
إسلامية
سيدة
الدير
بقلم : الأستاذ أشرف شعبان أبو أحمد / جمهورية مصر العربية (*)
هي سيدة في العقد الخامس من العمر ، ليست بالمراهقة بنت الخامسة عشر أو السابعة عشر التي تبحث عن شاب يشبع رغباتها ويطفئ نار جسدها ترتمي في أحضانه وتهرب معه تحت مظلة الحب حينًا والزواج حينًا آخر . وليست بالعانس التي تبحث عن زوج بعد أن اضمحلت فرص الزواج ، وهام الشباب على وجهه في أرض الله حائرًا بين الوقوع في المعاصي وبين كبت شهوته لحين إشباعها بالحلال ، بل هي متزوجة منذ ما يقرب من عقدين من الزمن . وليست بالعاقر ولا زوجها بالعقيم التي تريد أن تشبع غريزة الأمومة فتبحث عن رجل كامل الخصوبة والفحولة ترزق منه بالذرية ، بل هي أم لأولاد كبار في مقتبل العمر . وليست بالأمية أو بذات التعليم المتوسط ولا بالمنغلقة التي لم تتعلم من الأيام ولم ترتو من تجاربها ولم تنهم من أحداثها ، بل هي ذات مؤهل عالي جامعي تساير الأحداث وتطالعها وتعلم الصالح من الطالح والطيب من الخبيث والغث من السمين . وليست بالفقيرة التي يدفعها الفقر والحاجة إلى التنازل عن ثوابت حياتها ومقومات شخصيتها ومسلمات كينونتها ، بل تعمل بوظيفة مناسبة لمؤهلها يطمح إليها الكثير من أصحاب ذات المؤهل وتدر عليها دخلاً لا بأس منه . وليست بزوجة لرجل عادي تعاني معه متطلبات الحياة ومنغصاتها ، بل زوجة لرجل دين مسيحي من رجال الكنيسة يتمتع بمكانة خاصة بين أبناء ملته بوجه عام وبين أبناء منطقته بوجه خاص يعز عليهم ألا يسارعون في تلبية حاجاته وحاجات أسرته ، فليس لديها ما تعاني منه من مضايقات الحياة ومشاكلها التي تعصف بأي إستقرار أسرى .
هذه
السيدة هي وفاء قسطنطين المهندسة الزراعية بهيئة الإصلاح الزراعي ، مسيحية الديانة
، والبالغة من العمر 46 عامًا والمتزوجة من يوسف معوض فرج كاهن كنيسة السيدة
العذراء بأبي المطامير ، وبالإضافة لكونها أما فلمكانة زوجها الدينية يعتبرونها
أبناء الكنيسة أما أخرى لهم . هذه السيدة بكل ما تتمتع به من مميزات وبكل ما تتصف
به من سمات وبكل الظروف المحيطة بها والمذكورة سالفًا ، هداها الله عز وجل للإسلام
فاعتنقت الدين الإسلامي . وأمر إسلامها موكول إلى الله الواحد المطلع على القلوب
والسرائر العليم بما في الصدور، وهو أعلم بها من خلقه جميعاً ، وهو أعلم بالظاهر
والباطن ، أما نحن فلا نعلم إلا الظاهر وهو ما أعلنته الجرائد والمجلات من أمر
إسلامها ، وإن له لكثيرًا من الدلائل ويا لها من دلائل :
بداية
ففي خضم الاعتداءات التي يتعرض لها المسلمون في بقاع شتى من العالم ، ومن انتهاك
لحرماتهم ومقدساتهم وتهدم مساجدهم ومنعهم من إقامة شعائر دينهم وإظهار رموزه ، وفي
وسط حملات التشويه والإساءة للإسلام التي يشنها أعداؤه والتي تفتن ضعاف النفوس عن
إسلامهم ، يأتي إسلام هذه السيدة ، فيا له من دلالة !!
وكون
هذه السيدة متزوجة من كاهن مسيحي دليل نشأتها ورعرعتها في بيئة مسيحية أبًا عن جد
وتشبعها بتعاليم الديانة المسيحية . ولكونها زوجة رجل دين مسيحي يبذل قصارى جهده
في خدمة الكنيسة وشعبها ، فإذا بزوجته من يجب فيها أن تكون أكثر الناس سندًا
وعونًا له ولوظيفته وأشدهم إتباعاً لتعاليم الكنيسة ، فإذا بها تسلم لوجه الله
تعالى وتعلن إسلامها ، فيا له من دلالة !! ولا يعلل أمر إسلامها بوصول الخلافات
بينها وبين زوجها إلى حد استحالة العشرة بينهما ، وإن كان هذا شيئًا واردًا بين أي
زوجين ، ولكن كثيرًا من المسيحيات ممن يعانين مثل ذلك يلجأن إلى الانفصال الجسدي
بينهن وبين أزواجهن ، ولهذا الأمر دلالة أخرى ألا وهي تـوافق عقيدة الإسلام
وملاءمتها لفطرة الإنسان ، حيث شرع الطلاق بين كل زوجين تعسرت الحياة الزوجية
بينهما .
وكون
أنها أخفت إسلامها فترة من الزمن لمراجعة الفكر ومحاسبة النفس والتثبت من صدق
الاعتقاد وقوة اليقين ، لدليل على أن إسلامها تم عن تفهم وتعلم واقتناع وإيمان ،
ولم يكن مطية للتهرب من مشاكل الحياة ومتاعبها أو سببًا لكسب مادي أو معنوي أو
لنيل مطمع دنيوي . وقد مرت فترة إخفاء إسلامها هادئة نوعًا ما ، وما أن جهرت
بإسلامها إلا وبدأ تعرضها لابتلاءات صعبة وضغوط شديدة من قبل رجال الكنيسة وأجهزة
الدولة المعنية، ومن قبل ومن بعد من أفراد أسرتها ، وتزايدت وتصاعدت الضغوط عليها
عندما حول أمرها إلى موضوع رأي عام تناولته الصحف والمجلات المحلية والـدولية
والإذاعات والقنوات الفضائية ، فثار وهاج وماج أبناء الكنيسة زاعمين اختطافها
وإجبارها على الإسلام وتزوجها من رجل مسلم ، واستغل توقيت تشيع جنازة الصحفي سعيد
سنبل التي أقيمت في كنيسة المرقسية الكبرى ، وأثناء الصلاة على الفقيد قام بعض
الشباب المسيحي الذين أوتي بهم من محافظات مختلفة بأحداث شغب وترديد شعارات تثير
نار الفتنة الطائفية ، وبالطبع فاستغلال هذا التوقيت وهذه المناسبة بهذه الصورة له
دلالات كثيرة !!
هذه
السيدة تركت دينها ودين آبائها واعتنقت الإسلام وفي شأن مثل شأن هذه السيدة قال
تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤمِنَاتُ
مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوْهُنَّ اللهُ أَعْلَمُ بإِيْمَانِهِنَّ فَإِنْ
عَلِمْتُمُوْهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوْهُنَّ إِلَى الْكُفّارِ لاَ هُنَّ
حِلٌّ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّوْنَ لَهُنَّ) سورة الممتحنة آية 10 أي بعد التأكد
من أن سبب إسلامها ليس هروبًا من مضرة أو طمعًا في منفعة فيجب علينا رعايتها
وحمايتها وعدم ردها إلى سابق عهدها . ولكن حتى لا يزداد الموقف بين الكنيسة
والدولة من جانب ، وبين المسيحيين والمسلمين من جانب آخر ، اشتعالاً وتأزمًا قامت
أجهزة الأمن بتسليم السيدة وفاء قسطنيطين إلى رجال الكنيسة الذين أعلنوا عودتها
للمسيحية وتم إيداعها أحد الأديرة . فهي إن صــارت إلى ما أعـانوه ، فللّه الأمر
من قبل ومن بعد . وإن لم تكن كذلك فها هو الامتحان الأصعب والابتلاء الأشد قد أتى
، ويبتلى الفرد على قدر إيمانه فكلما كان إيمانه قويًا زيد في ابتلائه ، فإما أن
تثبت على الإسلام وتصبر على ما تتعرض إليه ، وإما أن تستسلم للضغوط وهي مكرهـة
ولكن طالما كان قلبها عامرًا بالإيمان مطمئنًا إليــه فلها الأجــر والثــواب ،
ولا يعلم هذا أو ذاك إلا الله عز وجل وهو أرحم بها منا ومن البشر أجمعين .
ورب
ضارة نافعة فربما تحكي قصتها لأهل الدير وكيف كان إطلاعها على الإسلام بفكر هادئ
ونفس معتدلة واقتناعها بما جاء به سببًا في إسلامها وربما تجد آذانًا صاغية
وقلوبًا جلية وإفهاماً واعية وعيونًا دامعة تأثرًا بالحق الذي سمعوه ، ممن قال
الله تعالى فيهم (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِيْنَ آمَنُوْا
الْيَهُوْدَ والَّذِيْنَ أَشْرَكُوْا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً
لِلَّذِيْنَ آمَنُوْا الَّذِيْنَ قَالُوْا إِنَّا نَصَارىٰ ذٰلِكَ
بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيْسِيْنَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُوْنَ
وَإِذَا سَمِعُوْا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُوْلِ تَرىٰ أَعْيُنَهُمْ
تَفِيْضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوْا مِنَ الْحَقِّ يَقُوْلُوْنَ رَبَّنَا
آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِيْنَ وَمَا لَنَا لاَنُؤْمِنُ بِاللهِ وَمَا
جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُّدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ
الصَّالِحِيْنَ فأَثَابَهُمْ اللهُ بِمَا قَالُوْا جَنَّاتٍ تَجْرِيْ مِنْ
تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالدِيْنَ فِيْهَا وَذٰلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِيْنَ
وَالَّذِيْنَ كَفَرُوْا وَكَذَّبُوْا بِآيَاتِنَا أُولئِكَ أَصْحَابُ الْجِحِيْمِ)
سورة المائدة الآيات 82-86 فتكون محنتها هذه سببًا في إسلام أخريات غيرها من بنات
هذا الدير لتكون بحق سيدة أهل الدير .
* * *
المراجع :
الجرائد
والمجلات المصرية الصادرة عقب تشيع جنازة الصحفي سعيد سنبل يوم 5/12/2004م .
مجلة
الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . جمادي الأولي 1426هـ =
يونيو – يوليو 2005م ، العـدد : 5 ، السنـة : 29.
(*) 6 شارع محمد مسعود متفرع من شارع أحمد إسماعيل وابور المياه – باب شرق – الإسكندرية ، جمهورية مصر
العربية.
الهاتف : 4204166 ،
فاكس : 4291451
الجوّال : 0101284614
Email: ashmon59@yahoo.com